الجمعة، 2 سبتمبر 2011

لماذا صلاة الفجر


لِمَاذَا صَلَاةُ الْفَجْرِ ؟!  


      صلاة الفجر هي الفاتحة لكل يوم في حياة المسلم، تعليماً وإشعاراً له أن يبدأ كل أموره بطاعة الله، والإقبال عليه، والقرب منه، والإنابة إليه، شكراً له على نعمائه، واعترافاً منه بفضله، صلاة الفجر هي صلاة المجاهدة وكل الصلوات كذلك؛ لكنّ الفجر أعظمها مجاهدة، وأهل المجاهدة للهدى موفَّقُون، وبمعيَّةِ الله سبحانه يفخرون:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، صلاة الفجر هي أقرب الصلوات إلى الله سبحانه إذ ينزل الرب تبارك وتعالى في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله إلى السماء الدنيا، وأقرب أوقات الصلوات لهذا النزول هو وقت صلاة الفجر.
      صلاة الفجر محفل من محافل الخير، ومجمع من مجامع النور، فهي الصلاة المشهودة التي تشهدها الملائكة:" يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، صلاة الفجر سمَّاها الله في هذه الآية الكريمة قرآناً إيذاناً بفضلها، وإعلاماً بشرفها، وإخباراً بمكانتها .
     صلاة الفجر أقسم الله بوقتها في كتابه:{وَالْفَجْرِ} بياناً لعظمته، وإشعاراً بجلالته، فهو من أهدأ الأوقات، وقت الصفاء والنقاء، توزّع فيه الأرزاق، وتتنزل فيه البركات، صلاة الفجر خروجك إليها في ظلمة الليل يورثك نوراً في يومٍ أنت بحاجة فيه إلى الأنوار، فهذا خيرٌ يُهدَى إليك، وبشرى تُزَفُّ بين يديك على لسان حبيب قلبي وقرة عيني صلى الله عليه وسلم:" بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، صلاة الفجر من يحضرها كان من الأطهار الأبرار الذين يكتبون في وفد الرحيم الرحمن، ويحظون بضيافة الكريم الغفار، فعند الطبراني وحسّنه:" مَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ كُتِبَتْ صَلاتُهُ يَوْمَئِذٍ فِي صَلاةِ الأَبْرَارِ، وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرَّحْمَنِ ".
      صلاة الفجر مؤدِّيها يصبح في حفظ الله وجواره، ويظل يومه في أمانه وذمّته، ومن ذا الذي يتجرّأُ على إخفار ذمّة الله:" مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِيْ ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِيْ نَارِ جَهَنَّمَ "، صلاةِ الفجر محافظتك عليها وقيامك بها سببٌ يجعلك من أهل النّظر إلى وجه الله تبارك وتعالى، وهو أعظمُ نعيمٍ ينعم الله به على أهلِ الجنة، ألا تحبّ أن تكون إلى وجه الله من الناظرين، وممن هم عن ربهم ليسوا بمحجوبين؟ فاسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم:" إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هذَا الْقَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا "، إنها صلاة الفجر والعصر؛ الصلاتان اللّتان تحجبان صاحبهما عن ولوج النار:" لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا "، إنّهما البردان اللّذان قـال فيهما صلى الله عليه وسلم:" مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ".
      صلاة الفجر فيها مضاعفة المثوبة وعظيم الأجر، فأداؤها في جماعة يعدل قيام ليلة:" مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِيْ جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِيْ جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ "، صلاة الفجر دليل الإيمان وعلامة الصدق وبراءة من النفاق أجارنا الله وعافنا:" لَيْسَ صَلاَةٌ أثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواًويكفي صلاة الفجر فخراً أنها خُصّت ركعتاها القبلية دون سائر الرواتب بالمحافظة عليها حضراً وسفراً، وهاتان الركعتان قال فيهما صلى الله عليه وسلم:" لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا " .
      صلاة الفجر نومك عنها يعرضك لعذاب الله وسخطه، ففي حديث رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، وهو في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:" وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي عَلَيْهِ بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ بِهَا رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَاهُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ يَأْخُذُهُ، فَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَل الْمَرَّةَ الْأُولَى، ثم ذكر له أنه هو: الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ "، صلاة الفجر نومك عنها يجعلك ممن استجاب لعدوّ الله إبليس وهو يعقِد على قافِية رأسِك عند نومك ثلاثَ عُقَد، يضرِب على كلِّ عُقدة: عليك ليلٌ طويل فارقد، وحينها تصبح خبيث النفس كسلان، مغضباً للرحمن، ملتحفا بالحرمان، رابحا للخسران، ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ:" ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِيْ أُذُنَيْهِ "، أترضى أيّها الحبيب أن تكون للشيطان أسيراً، وفي رحابه غادياً، مستحوذاً عليك ولك غالباً، صادّاً لك عن سماع الخير والهدى، داعياً لك إلى الهلاك والردى، ليكون مصيرك مصيره؛ جهنم هي المأوى .
      فيا أيّها الحبيب طهّر قلبك، وحاسب نفسك، وابعث جوارحك، وانهض بروحك، مستعيناً بربك، سائلاً منه عوناً ومدداً من عنده يوفّقك به لطاعته، ويعينك على ترك معصيته، ويجنبك غضبه وسخطه، ويعينك وينصرك على عدوّك وعدوّه، وفقنا الله لصراطه المستقيم وطريقه القويم، إنه سميع عليم .