الجمعة، 11 أكتوبر 2013

يوم عرفة


يَــــــــومُ عَـــــــرَفَــــــــــةَ




              هناك وقد كادت الشمس أن تَؤُوبَ؛ على صعيد عرفات وقف صلى الله عليه وسلم فقال لبلال رضي الله عنه : " يَا بِلَالُ أَنْصِتِ لِيَ النَّاسَ " فَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ : أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْصَتَ النَّاسُ، فَقَالَ :" مَعْشَرَ النَّاسِ : أَتَانِيْ جِبْرَائِيْلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفاً فَأَقْرَأَنِيْ مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ المَشْعَرِ، وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ " فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذَا لَنَا خَاصَّةً ؟ قَالَ : " هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ " فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ . صححه الألباني رحمه الله، وعند ابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال:" يَا بِلَالُ أَسْكِتِ النَّاسَ أَوْ أَنْصِتِ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي جَمْعِكُمْ هَذَا فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ؛ ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ "، إنه اليوم الأغر الأزهر، يوم عرفة، يوم سكب العبرات، وإقالة العثرات، وتنزل الرحمات، ورفع الدرجات، وحط الخطيئات، وغفران السيئات .

       يوم عرفة يوم عظيم عظمه الله فأقسم به في كتابه فقال سبحانه:{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}[الفجر:1ـــــ3] قال ابن عباس رضي الله عنهما : الليالي العشر عشر ذي الحجة، والشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة . ومن قسم الله به قوله سبحانه:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:1ــــ3] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ : يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالْمَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالشَّاهِدُ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ " .

       يوم عرفة يوم أكمل الله لنا فيه الدين وأتم علينا فيه النعمة، ففي الصحيحين عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِيْ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. قَالَ عُمَرُ : قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ .

       يوم عرفة موسم عظيم، ومشهد فضل عميم، ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رئي يوم بدر، يوم عرفة تعتق فيه الرقاب من النار وتتنزل فيه رحمات العزيز الغفار فعند مسلم في صحيحه قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَا مِنْ يَومٍ أَكَثْرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيْهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيْدُنُو ثُمَّ يُبَاهِيْ بِهِمُ المَلَائِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ  ؟ " . يدنو سبحانه من عباده دُنُوّاً يليق بجلاله وكماله وعظيم سلطانه، فهو سبحانه يقرب من عباده الصالحين الذين يتقربون إليه بطاعته وفعل مرضاته .

       يوم عرفة يوم الرغبة والرجاء، يوم التذلل والدعاء، عند الترمذي وحسنه الألباني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " إنه يوم عرفة يوم تلهج فيه الألسنة بالأذكار والأدعية، تضرع وبكاء، وابتهال ودعاء، تسبيح وتبجيل، وتكبير وتهليل، اختلفت الأجناس، وتباينت اللغات، وتنوعت اللهجات، الأسود والأبيض، والأحمر والأشقر، الإفريقي والأوربي، والآسيوي والأمريكي، العربي والإنجليزي، والباكستاني والأفغاني، والهندي والتركماني، كلهم يدعون ربا واحدا، ويسألون إلها واحدا، وهو سبحانه يجيب كل سائل عما سأل، ويعطي كل طالب ما طلب، فسبحانك ربي ما أجلك وأعظمك، وسبحانك ما أحلمك وأرحمك، وسبحانك ما أجودك وأكرمك .

       يوم عرفة اجتماع الحجيج فيه على صعيد واحد في مشهد عظيم، وموقف مهيب، بلباس واحد، الحاكم والمحكوم والأمير، والغني والفقير، فلا طبقية ولا مناطقية، ولا عرقية ولا قومية، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، كل ذلك مشعر بأخوة الإيمان، ورابطة الإسلام، وهو مذكر بيوم الرجوع إلى الله يوم الحساب ولا عمل، اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

       يوم عرفة خطب صلى الله عليه وسلم فيه فكان فيما قال:" إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ؛ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِى بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ؛ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ . فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ . وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّيْ فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ . فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ:" اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ". ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .

       يوم عرفة الوقوف به ركن الحج الأعظم فالحج عرفة كما صح من قوله صلى الله عليه وسلم، وصيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة كما جاء عند مسلم في صحيحه من أبي قتادة رضي الله عنه، فاحرصوا على صيامه، وأكثروا فيه من الدعاء والاستغفار .

       جعلنا الله ممن عتق فيه رقابهم من النار، وغفر لهم ورحمهم إنه العزيز الغفار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين .