الخميس، 6 فبراير 2014

رِجَــــــــــالٌ



                       رِجَـــــــــــــــــــــالٌ



مازلت أبحث في وجوه الناس عن بعض الرجال
عن عصبـــة يقفـــون في الأزمــــــات كالشم الجبال
فإذا تكلمت الشفــــــاه ســـــــــــمعـــت ميزان المقـــــــــال
وإذا تحركت الـــرجــــــــال رأيت أفعــــــــــال الــرجــــــــــــــــــال
أمــا إذا سكــــتـــــــــوا فأنظــــــــــار لـهـــــــا وقـــــــع النبــــــــــــــــــــــــــال
يسـعـــــون جَهـــدًا للعـــــلا بل دائمًــا نحـــــــــو الكمــــال
يصلــون للغــايــات لو كانت على بعــــدِ الْمُحـــال
ويحققــــــون مفـــــــاخــــــرًا كانت خيـــــــالاً في خيــــــــــــــال
يتعشّقــون المـــوت في أوســـاط ساحــــات القتـــــــــال
ويـــــرون أن الحـــــــــــــرَّ عبــــــــــــــــد إن تــــوجــــــه للضـــــــــــــلال
من لـــــي بفــــــرد منهمُ ثقـــــــــــــــة ومحمــــــــــود الخصــــــــال
من لــي به يا قــــــوم إن همـــــــومَ وجـــــــداني ثقــــــــــــــــــــــال
سيطـــول بحثي إن ســــــــــــــؤلي نــــــــادر صعب المــــــــآل
فمن الذي تحوي معًـا أوصافه هذي الخصـــــــــال
لكنَّ عـــذري أن في الدنيـــا قــليـــــلاً من رجـــــــــــــــــــــال
    
      جلس عمر رضي الله عنه يوما إلى أصحابه فقال لهم: تمنوا . فقال بعضهم : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق، وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجدا وجوهرا فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا . فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين . فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان:

والناسُ ألفٌ منهُمُ كواحدٍ **** وواحدٌ كالألفِ إنْ أمرٌ عَنَى

     فلله در أمير المؤمنين المحدث الملهم عمر رضي الله عنه، ما أحكمه وما أعظم حنكته وأدق فهمه، لم يتمن كنوزا وأموالا، لم يذهب عقله إلى الماديات إنما دار بخلده من تجبى على أيديهم الكنوز وتفتح بهم الأمصار، تمنى رضي الله عنه رجالا لكن ليسوا أي رجال، إنما رجال كالرجال الذين تخرجوا من مدرسة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إنهم أعظم الرجال، ومن الرجال من يزن مائة، ومنهم من يزن ألفا، ومنهم أمة وحده، وهؤلاء أغلى من كل معدن ثمين، وأثمن من كل جوهر نفيس، ووجودهم يعز ويندر، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال كما في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:" إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " بمعنى أن الرجال بمعنى الرجال وجودهم عزيز في دنيا الناس، وإن أمتنا اليوم بحاجة إلى رجال كأولئك الرجال ... رجال الجيل الأول، الجيل الفريد .

    حاصر خالد بن الوليد رضي الله عنه "الحيرة"، فطلب من أبي بكر رضي الله عنه مددًا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي، وقال: "لا يهزم جيش فيه مثله"، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل. ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه: أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد .

     إننا عندما نتحدث عن الرجولة وخصال الرجولة وصفات الرجولة، لسنا نقصد ونعني بها الذكورة؛ فالذكورة صفة تقابل الأنوثة، وقد يوجد في الأمة ذكور لكنهم في حقيقة أمرهم أشباه رجال ولا رجال، لأن الرجولة صفة عظيمة وخصلة كريمة لها خصائص وصفات مدحها الشرع وأثنى على أهلها، وأمتنا ليست بحاجة إلى ذكور ليسوا برجال، وإنما حاجتها إلى من تحققت فيه الرجولة الحقّة.

    إن أمتنا بحاجة إلى رجال كأولئك الرجال الذين تسمو نفوسهم إلى معالي الأمور وتأنف سفسافها، أهل صدق في العهود ووفاء بالوعود، رجال أهل ثبات على المبادئ والقيم ورسوخ في الاستقامة على الحق:﴿ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْـــــدِيلاً ﴾[الأحزاب:23]، ﴿ رِجَـــــالٌ يُحِــــبُّـــــونَ أَنْ يَتَــــطَـــــهَّرُوا ﴾[التوبة:108]، رجال نشأوا في طاعة الله، قلوبهم معلقة بالمساجد بيوت الله:﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَـــــالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَـــــارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْــــــــرِ اللَّهِ وَإِقَــــــــامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَـــــــاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُـــلُوبُ وَالْأَبْصَـــــارُ ﴾[النور:36ـــــ37]، رجــــــــــال:﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَــــــاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَــــرِيمٌ ﴾[الأنفال:2-4]، رجــــــــــال يحبهم الله ويحبونه، رضي عنهم ورضوا عنه:﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَـــــــــاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَـــــــــافُونَ لَــــــــوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ ﴾[المائدة:54]، رجال لله مخلصون، وبأمره يأتمرون، وعن نهيه ينتهون، ولنبيهم صلى الله عليه وسلم متبعون .

      إن أمتنا بحاجة إلى رجالٍ في أقوالهم، رجالٍ في أفعالهم، رجالٍ في أخلاقهم، رجالٍ في تصرّفاتهم، رجالٍ في أفكارهم وتصوراتهم، رجالٍ في شخصياتهم، فالرجولة إصلاح لا إفساد، جدٌّ لا كسل، عمل لا عجز، إيجابية لا سلبية، أمانة لا خيانة، صدق لا كذب، الرجولة عفة ونزاهة، وفضيلة وطهارة، وعزة وكرامة، ومروءة وشهامة، الرجولة لا خسة وسفاهة، ولا ذل ومهانة، ولا حمق ورذيلة، ولا خنوع وميوعة، الرجولة الحقة قول رشيد، ورأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ونصيحة صادقة، وتعاون وتضامن، الرجولة الحقة دفاع عن التوحيد ونصر للملة وذب عن الشريعة:﴿ وَجَاء رَجُــــلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّـاصِحِينَ ﴾[القصص:20]، الرجولة قوة في القول، وصدع بالحق، وتحذير من المخالفة من أمر الله مع حرص وفطنة، قال تعالى:﴿ وَقَالَ رَجُــــــــــــــــلٌ مُّــــــؤْمِـــــــنٌ مّنْ ءالِ فِـــرْعَـــوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـانَــــــهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُـــــــــــــــلاً أَن يَقُـــــــــولَ رَبّــــــيَ اللَّهُ وَقَدْ جَــــــاءكُمْ بِلْبَيّنَـاتِ مِن رَّبّكُمْ ﴾[غافر:28]، الرجولة: تحملك على أن تؤدي واجبك نحو ربك، وواجبك نحو نفسك، وواجبك نحو دينك وأهلك وأمتك . الرجـــــــولـــــــــة قـــــــــوامـــــــة في البيوت وتحمل للمسؤولية:﴿ الـــــرِّجَــــالُ قَوَّامُـــــونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّـــــلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُـــــوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾[النساء:34]، ولا يقدح في رجولة الرجل أن يكون معينا لأهله ملاطفا وممازحا لهم فقد كان ذلك دأبه صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي يقدح في رجولة الرجل انعدام غيرته على أهله فيما يحفظ لهم حشمتهم وعفتهم وحجابهم وسترهم، وحياءهم وطهارتهم، فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، وما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة كما جاء في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.