الأحد، 22 يوليو 2012

أمّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ

{أمّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ}

       سؤال وقفت أمام جلاله حائرا، وله متأملا، وفيه متفكراً، وهكذا ينبغي أن يقف أمامه كلُّ مسلم، فمن ذا الذي سأله ؟ ومن ذا الذي سئل ؟ وما هو السؤال ؟ الذي سأله هو الله؛ من على العرش استوى، الذي يعلم السر وأخفى، والذي سُئِلَ هذا السؤال هو أنت يا من جعل الله له عينين، ولسانا وشفتين، خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركّبك، والسؤال هو قول الله جل في علاه:{أمّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلُفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلَيْلًا مَا تَذَكَّرُوْنَ} ...

      المضطر الذي بلغ به الكرب كل مبلغ، المضطر الذي نزلت به المصائب، وحلت به النوائب فأحاطت به من كل جانب ...

      المضطر إلى من يلجأ؟ وبمن يستغيث؟ ومن ذا الذي يسأل؟ الذي يجيب المضطر إذا دعاه:{أمّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ} ...

      من ذا الذي يقدّر المقدور؟ من ذا الذي يصلح الأمور؟ من ذا الذي يشرح الصدور؟ من ذا الذي ييسر السبل؟ من ذا الذي يفك الحيل؟ من ذا الذي يجيب السؤال؟ من ذا الذي ينير الآمال؟ من ذا الذي يغير الأحوال؟ من ذي الجمال ؟ من ذي الجلال ؟ من ذي الكمال؟ إنه الله الواحد الأحد:

إذا اشتملت على اليـأس القلوب *** وضاق بما به الصـدر الرحيب
وأوطنــت المكــاره واطمأنــت *** وأرست فـي أماكنها الخطــوب
ولم تر لانكشــاف الضـر نفعــاً *** وما أجـــدى بحيلتــه الأريـــب
أتـاك على قنــوط منــك غــوث *** يمــنّ بـه اللطـيف المستجيــب
فكــل الحادثــات وإن تنــاهـــت *** فمـوصــول بها فــرج قــريب

       تهب الرياح العواصف، وتضطرب الأمواج القواصف، فتتحرك السفن، وتتلاعب بها الأمواج، إلى من حينها يلجأ ركابها؟ إلى الذي يجيب المضطر إذا دعاه ...

       تذوي الأشجار، وتذبل الأزهار، وتجف الضروع، وتيبس الزروع، إلى من يلجأ عندها المستغيثون؟ ومن يسأل السائلون؟ الذي يجيب المضطر إذا دعاه:

عسى فرج يكون عسى نعلل نفسنا بعسى
فلا تجــزع وإن لاقيت همّــًا يقطـع النفسا
فأقــرب ما يكون العبد من فــرج إذا يئسا

        يونس بن متى عليه السلام يقع في ظلمات ثلاث: ظلمة ليل هائج، وظلمة بحر مائج، وبطن حوت، ظلمات بعضها فوق بعض، فمن يسأل حينها؟ ومن يرجو؟ وإلى من يشتكي؟ لا زوجة ولا ولد، ولا قرابة ولا عشيرة، ولا طقوم إنقاذ، ولا غير ذلك من الأسباب، حينها تذكر يونس عليه السلام ملك الملوك، مجيب المضطر إذا دعاه، كاشف  السوء، مزيل الهم، مذهب الغم، فهتف في تلك الظلمات معلنها عقيدة ربانية، ودعوة سماوية:{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ}، فجاء الفرج، وحلت النجاة بعد تلك الدعوة، إنها دعوة عظيمة، قال فيها حبيبي صلى الله عليه وسلم:" دَعْوَةُ ذِيْ النُّونِ؛ مَا دَعَا بِهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيْ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ ".

     فيا مكروب ! ويا محزون ! ويا مهموم ! ويا مغموم ! ويا مديون ! ويا مذنب ! ويا ظالم لنفسه ! عليك بدعوة ذي النون:{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ}، ذكر ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة أن رجلا من التجار الصالحين خرج في تجارته، فأدركه لص اعترض له طريقه، فأخرجه إلى الصحراء فلما خلا به وانفرد، أخرج سكينه ليذبحه، فقال الرجل الصالح لهذا المجرم: بالله عليك اتركني أصلي ركعتين، فقال له: صل ما شئت، فقام الرجل متجها إلى الله مستقبلا القبلة: مكبرا لله، مصليا له، راجيا منه، لأنه هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، قال الرجل: ارتج علي القرآن، فما أدري ما الذي اقرأ؟ وبماذا يفتح الله علي ؟ فما تذكرت حينها إلا قول الله:{ أمّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلُفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلَيْلًا مَا تَذَكَّرُوْنَ }، فدعوت الله بها، ولم أسلم من تلك الركعتين، وإذا بفارس ينزل على فرس من السماء، فيضرب  ذلكم اللص بخنجر معه في يده فيقتله، فقلت له حينها: من أنت؟ من أنت ؟ فقال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه .

      عند أحمد في المسند وهو في الصحيحة للألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي فقال: إلى ما تدعو يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" أَدْعُو إِلَى اللهِ، وَهَلْ تَعْرِفُ مَنْ هُوَ اللهُ ؟ " فقال الأعرابي: لا، فقال صلى الله عليه وسلم:" اللهُ إِذَا نَزَلَ بِكَ ضُرٌّ دَعَوتَهُ فَكَشَفَهُ عَنْكَ، اللهُ إِذَا ضَلَّ بَعِيْرُكَ فِيْ الصَّحْرَاء فَدَعَوتَهُ رَدَّهُ عَلَيْكَ، اللهُ إِذَا نَزَلَتْ بِكَ سَنَةُ قَحْطٍ مُجْدِبَةٌ فَدَعَوْتَهُ أَمْطَرَ عَلَيْكَ " إنه الله ! من يجيب المضطر إذا دعاه، جل في علاه .

       الخليل إبراهيم عليه السلام، إمام الحنيفية، وسيد الموحدين، لما ألقي في النار، إلى من لجأ حينها، أتاه جبريل في تلك اللحظة وهو في طريقه إلى النار التي سجرت له، هاوياً إليها، قال له: ألك حاجة يا إبراهيم، فقال الخليل عليه السلام: أما إليك فلا، وإما إلى الله فنعم، حسبنا الله فنعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل، فجاء الفرج من الله:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِيْ بَرْداً وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيْمَ} . وموسى الكليم عليه السلام، البحر أمامه، والعدو من خلفه، وبنو إسرائيل يصيحون: إنا لمدركون، فيقول:{ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّيْ سَيَهْدِيْنِ}، فأوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم .

       فلا إله إلا الله، ما أعظم من يجيب المضطر إذا دعاه، جل في علاه، فيا عبد الله أما خيم عليك ليل الحزن، أما أحلت عليك غيوم الغم، أما زارتك سحب الكرب، إلى من حينها ينبغي أن تلتجئ؟ ومن الذي تسأل ؟ . يقول حبيبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، دعاء الكرب، فاسمعه يا محزون، يا مهموم، يا مغموم، ثم تأمله، ثم قله عند كل هم، عند كل غم، عند كل كرب، عند كل خطب، عند كل نائبة:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظَيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ؛ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ " .  

يا صاحب الكرب إن الكرب منفرج *** أبشــر بخير فـإن الـفــــارج الله
اليـــأس يقطـع أحيـــانـــا بصـاحبــه *** لا تيــأســنّ فــإن الكـــافــي الله
الله يحــدث بعــد العســــر ميســــرة *** لا تجــزعــن فإن الكاشــف الله
 فــإن بلــيت فثـــق بالله وارض بــه *** إن الذي يكشف البلـوى هو الله
والله مــا لــك غيــر الله مــن أحــــد *** فحسبــك الله فـي كــل لـــك الله

          فنسأل الله أن يكشف كروبنا، ويزيح غمومنا، ويذهب همومنا ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

علّق هنا