السبت، 29 يونيو 2013

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الحادي عشر

مسائل وأحكام


المسألة الأولى : دخول وقت الفطر وانتهاء زمن الإمساك : يدخل وقت الفطر وينتهي وقت الإمساك بغروب الشمس؛ قال سبحانه:{ثُمَّ أَتَمِّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، فمتى ما غربت الشمس أفطر الصائم، وفي المتفق عليه قوله صلى الله عليه وسلم:" إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائمُ "، ولذلك من أمسك في بلد ثم سافر منها قبل الغروب فليس له أن يفطر إلا بتحققه من غروب الشمس، فإن تحقق غروبها وهو في الجو له أن يفطر، وإن لم يتحقق من غروبها بل رآها بعينه وهو في الجو فليس له أن يفطر وإن علم أن وقت الفطر في البلد التي سافر منها قد دخل أو حتى في البلد القريبة منه، فلا يفطر حتى يتحقق من غروب الشمس، ولو كان ذلك بعد وصوله إلى البلد الذي سيسافر إليه، فالإجماع منعقد على أن الصوم من طلوع الفجر حتى غروب الشمس .

المسألة الثانية : المشقة غير المحتملة في النهار الطويل : الإمساك واجب على الصائم من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس طال النهار أو قصر، لكن في بعض البلاد في بعض الأيام يطول النهار؛ فلو حصل للصائم بصومه مشقة عظيمة يخشى منها الضرر أو المرض أو الهلاك بسبب طول النهار؛ الذي قد يصل في بعض البلاد إلى ما يزيد على ثلثي النهار فإنه يجوز الفطر لمن هذا حاله، ويقضي ما أفطر في أيام أخر، وبهذا أفتى المجمع الفقهي وابن باز ابن عثيمين .

المسألة الثالثة : بلوغ الصبي وإفاقة المجنون في رمضان : إذا كان بلوغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر فعليه الإمساك بقية اليوم ولا قضاء عليه، ومثله المجنون إذا أفاق في نهار رمضان، وهو اختيار ابن تيمية، وإن بلغ الصبي أثناء الشهر فإنه يصوم بقية الشهر، ولا قضاء عليه فيما سبق، وهو مثله المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، وهو قول جمهور أهل العلم .

المسألة الرابعة : صيام المعتوه والمخرف : المعتوه هو من اختل عقله ولم يبلغ حد الجنون، لا صوم عليه ولا قضاء إجماعا؛ وفي مسند أحمد وصححه الأرنؤوط والألباني قال صلى الله عليه وسلم:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ أَوْ قَالَ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَشِبَّ "، وأما المخرف وهو من اختل عقله لكبره فلا صوم عليه ولا قضاء للحديث السابق، فالهرم المخرف فاقد للأهلية، لا تمييز له، لذلك فلا شيء عليه، أما الهرم غير المخرف وعجز عن الصيام لضعفه فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، وهو مذهب الجمهور، وخالف المالكية فقالوا لا فدية عليه .

الخميس، 27 يونيو 2013

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس العاشر

آداب الصيام ومستحباته


أولا : السحور : يستحب للصائم أن يتسحر بالاتفاق، فهو مندوب إليه مستحب لا إثم على من تركه إجماعا كما قال ابن المنذر، , وفي الحديث المتفق على صحته قال صلى الله عليه وسلم:" تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً "، وفي السحور مخالفة لأهل الكتاب ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ "، والسحور ما يأكله الصائم وقت السحر قبل إمساكه، ويحصل بكثير المأكول وقليله ولو بالماء .

ثانيا : تأخير السحور : يستحب تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل ما لم يخش طلوع الفجر، لقوله تعالى:{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }[البقرة:187]، وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم:" كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ " .

ثالثا : تعجيل الفطر : يستحب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس؛ ففي الحديث المتفق على صحته قال صلى الله عليه وسلم:" لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ "، وتأخير الفطر إلى أن تشتبك النجوم من فعل اليهود وتبعهم عليه الرافضة .

رابعا : ما يفطر عليه : يسن أن يكون فطره على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، فعند أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وصححه الألباني: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتَمَرَاتٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ " .

خامسا : ما يقول عند فطره : يسن أن يأتي بالدعاء الوارد الذي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أفطر قاله كما قال ابن عمر رضي الله عنهما وهو:" ذهب الظَّمأ، وابتلتِ العرُوقُ، وثبَتَ الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود وحسنه الألباني، وأما حديث:" اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ " وهو عند أبي داود أيضا فقد ضعفه الألباني،  ويسن للصائم عند فطره أن يدعو بما شاء فعند البيهقي في شعبه وصححه الألباني قال صلى الله عليه وسلم:" ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ " .

سادسا : مقابلة الإساءة بالإحسان : فيحفظ لسانه من السب والشتم، وجوارحه من الإساءة للآخرين ففي الحديث المتفق عليه:" الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ "، وكذلك في المتفق عليه قوله صلى الله عليه وسلم:" وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ "، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إذا صمت؛ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك، ويوم فطرك سواء . فشرف رمضان به يعظم إثم المعصية فيه، فالمعصية تعظم عقوبتها بشرف الزمان والمكان، وعند البخاري في صحيحه قال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ "، وفي مسند أحمد وجود إسناده الأرنؤوط، وصححه الألباني قال صلى الله عليه وسلم:" رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ " .

      فينبغي لك أيها الصائم الكريم أن تحفظ جوارحك عما حرم الله سبحانه، في نهار رمضان وليله على السواء، لئلا يكون ذلك سببا في نقصان أجر صيامك، فيكون حظك من صيامك الجوع والعطش؛ عافانا الله ورحمنا وعفا عنا إنه سميع قريب مجيب .

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الثامن

مــــن يـــبـــاح لــهم الــفطـــر


أولا : المريض : يباح له الفطر في رمضان إجماعا؛ قال سبحانه:{ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، والمرض المبيح للفطر هو المرض الشديد الذي يشق معه الصوم، أو يخشى زيادته، أو تأخر شفائه، فإن خشي الهلاك به فالفطر واجب وهو مذهب الجمهور، وأما المرض الخفيف اليسير الذي لا يشق معه الصوم ولا يحصل به الأذى كزكام أو وجع ضرس ونحو ذلك فهو غير مبيح للفطر وهو عليه جماهير أهل العلم، والمريض الذي مرضه يرجى برؤه فأفطر إذا شفي عليه قضاء ما أفطره من أيام إجماعا، وأما الذي مرضه لا يرجى برؤه كالسرطان وغيره فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه، وهو مذهب الجمهور .

ثانيا : المسافر : يباح له الفطر في رمضان إجماعا؛ قال سبحانه:{ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }، والسفر المبيح للفطر هو السفر الذي بلغ مسافة القصر وقدروها بنحو ثمانين كيلو مترا؛ وهو مذهب الجمهور، فمن لحقه بالصوم في سفره مشقة وكان الفطر أرفق به؛ فالفطر في حقه أفضل، بخلاف من لم يحصل له مشقة فالصوم في حقه أفضل؛ وهو مذهب الجمهور، وذهب الحنابلة إلى أن من لم يحصل له بالصوم في السفر مشقة فالفطر في حقه أفضل وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، أما المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه فيجب عليه الفطر؛ وهو مذهب الجمهور، وإذا أفطر المسافر وجب عليه قضاء ما أفطره إجماعا .

ثالثا : الكبير ذكرا أو أنثى : يباح له الفطر إذا كان لا يطيق الصيام إجماعا؛ قال سبحانه:{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }، فإذا أفطر الرجل الكبير والمرأة الكبيرة لعجزهما عن الصيام أطعما عن كل يوم مسكينا وهو مذهب الجمهور، أما الكبير الذي فقد التمييز وحصل له التخريف والهذيان فهذا لا صوم عليه ولا إطعام، لسقوط التكليف عنه بزوال العقل .

رابعا : الحامل والمرضع : يباح لهما الفطر في رمضان سواء خافتا على نفسيهما أو على ولديهما، وهو مذهب جماهير أهل العلم، فإذا أفطرتا خوفا على نفسيهما فعليهما القضاء، أو خافتا على ولديهما فعليهما القضاء والكفارة وهو مذهب الجمهور، وذهب طائفة من أهل العلم أن عليهما القضاء في كلا الحالين ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية .

الأربعاء، 26 يونيو 2013

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس السابع

مفسدات الصيام


       مفسدات الصيام هي الأمور التي إذا فعلها الصائم أفسدت عليه صومه وأفطر بفعلها، ولكن يشترط لذلك أربعة شروط:
أولها: أن يكون عالما فإن كان جاهلا بالحكم الشرعي أو بالوقت فصومه صحيح .
ثانيها: أن يكون ذاكرا فمن تناول مفطرا ناسيا فصومه صحيح، لكن متى تذكر أو ذُكِّر وجب عليه الإمساك .
ثالثها : أن يكون قاصدا فمن فعل مفطرا بلا قصد كمن غلبه القيء فصومه صحيح ولا إثم عليه .
رابعها : أن يكون مختارا فمن أكره على مفطر فصومه صحيح ولا إثم عليه .

أما مفسدات الصيام فهي :

أولا : الأكل والشرب : وما كان في معناه مما يتغذى به إذا وصل إلى الجوف من أي طريق: الفم أو غيره عمدا فإنه يبطل الصوم إجماعا، قال سبحانه:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:187]، ويلزم صاحبه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه.

ثانيا : الجماع : فمن جامع في نهار رمضان متعمدا فقد بطل صومه، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، قال سبحانه:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُـــــوا وَاشْـــــرَبُــــوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْـــوَدِ مِنَ الْفَجْـــــرِ ثُمَّ أَتِمُّـــــوا الصِّيَــــــامَ إِلَى اللَّيْـــــلِ}[البقرة:187]، ويلزمه القضاء والكفارة .

ثالثا : الاستمناء : هو إخراج المني طلبا للشهوة بغير جماع، فمن استمنى بطل صومه وعليه القضاء وهو مذهب عامة أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:" يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي "، ولا كفارة عليه عند الجمهور .

رابعا : القيء : من استقاء عمدا بطل صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه عند الجمهور، ومن غلبه القيء فلا قضاء عليه إجماعا، فعند الخمسة وصححه الألباني قوله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ " .

خامسا : الجنون والإغماء : من أصيب بالجنون ولم يرجع إليه عقله إلا بعد غروب الشمس بطل صومه ولا قضاء عليه وهو مذهب الجمهور، وأما من نوى الصيام من الليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس فإنه يبطل صومه وعليه القضاء وهو مذهب الجمهور، فإن أفاق أثناء النهار صح صومه .

سادسا : الحيض والنفاس : إذا حاضت المرأة أو نفست أثناء النهار بطل صومها، وعليها القضاء إجماعا، ولا يلزمها عند الجمهور الإمساك بقية يومها .

سابعا : الردة : من ارتد عن الإسلام أثناء نهار رمضان باعتقاد مكفر أو قول مكفر أو فعل مكفر أو شك بطل صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم إجماعا، أما ما تركه من صيام زمن ردته فلا قضاء عليه فيه وهو مذهب الجمهور .

ثبتنا الله على دينه حتى نلقاه إنه سميع قريب مجيب

الاثنين، 24 يونيو 2013

بيان علماء الأمة حول وجوب الجهاد لنصرة سوريا

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان علماء الأمة حول وجوب النفرة والجهاد لنصرة سوريا


       الحمد لله العلي القدير القائل:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }. والصلاة والسلام على رسول الله، محمد نبي الرحمة ، القائل فيما رواه أبو داود عن جابر وأبي طلحة رضي الله عنهما:" ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته " وبعد: 

فلا يخفى على الأمة خاصتها وعامتها بل على عموم الناس ما يقوم به النظام الطائفي بالشعب السوري من الفواقر العظام والجرائم الجسام والذي لا يزال يعيش حتى هذه اللحظة فظائع القتل والتعذيب والاعتقال والحصار والتهجير والتي لم تستثن شيخاً ولا طفلاً ولا امرأة ولا وليداً فضلاً عن الشباب والرجال. 

       ولقد تداعى على هذه الجرائم والفظائع إلى جانب النظام الطائفي شبيحته ومن على شاكلتهم من حلفائهم في إيران والعراق وحزب الله وغيرهم من الروافض والباطنية وكذلك من بعض الدول كروسيا والصين. إذ وقفوا مساندين وداعمين لجرائم النظام الطائفي بكل وقاحة وقاموا بدعمه ومناصرته بأرتال المرتزقة وترسانة الأسلحة وشحنات التمويل ، وكل أنواع الدعم المادي والإعلامي والسياسي والمعنوي ، في مشهد قبيح من الطائفية العدوانية المقيتة , كل ذلك يحدث في ظل تواطؤ بعض الدول الغربية وحلفائهم من دول المنطقة . 

       ومن أجل الحفاظ على كيان الأمة وأمنها واستقرارها وإنقاذ بلاد الشام من هذه الجرائم وما يُخطط لأهلها من القتل والتهجير والتشريد، ولأرضهم من التدمير والتمزيق والتقسيم، تداعى علماء الأمة من جميع الأقطار و تدارسوا هذه النازلة وبينوا ما يلي : 

أولاً: وجوب النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة القتل والإجرام للنظام الطائفي ووجوب العمل على وحدة المسلمين عموماً في مواجهة هذه الجرائم واتخاذ الموقف الحازم الذي ينقذ الأمة وتبرأ به أمام الله الذمة كل حسب استطاعته قال الله تعالى:{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }

ثانياً: اعتبار ما يجرى في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا يُعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة . 

ثالثاً: ترك الفرقة والاختلاف والتنازع بين المسلمين عموماً وبين الثوار والمجاهدين في سوريا خصوصاً وضرورة رجوعهم جميعاً عند التنازع إلى الكتاب والسنة والتسليم لحكمهما، وتغليب جانب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والحرص على الألفة والاتفاق، وتوحيد الجهود نحو العدو وحفظ القوة والغلبة والبعد عن الفشل بترك التفرق والاختلاف قال تعالى:{ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }. 

رابعاً: يشيد المؤتمرون بموقف كل من تركيا و قطر ويطالبون حكومات العرب والمسلمين ومجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بالوقوف الموقف الحازم ضد النظام الطائفي المجرم وسرعة إغاثة الشعب السوري وثواره بكل ما يحتاجون إليه من عتاد وسلاح لصد عدوان النظام الظالم وحلفائه ووقفه ، وكذا قطع التعامل مع الدول المساندة له كروسيا والصين وإيران وغيرها، وقبول تمثيل سفراء للثوار السوريين والشعب السوري. 

خامساً: دعوة شعوب الإسلامية إلى مقاطعة البضائع والشركات والمصالح الإيرانية انتصارا لدماء الشعب السوري المظلوم. 

سادساً: دعوة قادة الفكر والرأي والسياسة والمؤسسات الإعلامية والأدبية إلى تبنى القضية السورية على الأصعدة كافة ، وتعريف المسلمين بحقيقة ما يجري وما يتعرض له الشعب السوري من القهر والعذاب والنكال والقتل والتشريد. 

سابعاً: تذكير أفراد الجيش السوري بحرمة دماء الأبرياء ، وعدم الركون إلى الظلمة والمجرمين، وأن عليهم وجوباً الانسحاب من جبهات القتال ضد الشعب، والانضمام للقتال في صفوف شعبهم ضد النظام الطائفي المجرم . 

ثامناً: تذكير مجلس الأمن وهيئات الأمم المتحدة بمسئولياتهم الدولية و الإنسانية بإدانة و تجريم وإيقاف ما يحدث في سوريا وبيان أن عدم مؤاخذة النظام الطائفي بجرائمه والسعي في محاكمته ومحاكمة حلفائه من حزب الله والنظام الإيراني وغيرهم يجعل قيم وقوانين تلك الهيئات في نظر عموم المسلمين ذات مكاييل متعددة بحسب ما تقتضيه مصالح الدول الكبرى لا بما تقتضيه العدالة الإنسانية ومصالح وحقوق الإنسان. 

تاسعاً: استنكار تصنيف و اتهام بعض فصائل الثورة السورية بالإرهاب في الوقت الذي يُغض الطرف فيه عن الجرائم الإنسانية للنظام السوري وحلفائه. 

عاشراً: السعي الحثيث من كل منظمات ومؤسسات العمل الخيري والإنساني لنجدة وإغاثة المنكوبين واللاجئين والمشردين السوريين عن ديارهم وأوطانهم , وتقديم المال والعلاج والغذاء وما يكفل لهم العيش والحياة بكرامة. 

أحد عشر: تشكيل لجنة خاصة منبثقة من هذا المؤتمر لزيارة قيادات الدول والعمل على متابعة مقررات وتوصيات المؤتمر والسعي في تحقيقها. 

      { وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .


علماء الأمة الإسلامية
الروابط والهيئات العلمية المشاركة
صادر بالقاهرة يوم الخميس 4شعبان1434 هـ الموافق 13/6/2013م

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس السادس

خصائص رمضان


      رمضان هذا الشهر الحبيب إلى القلوب  له ميزات عظيمة وخصائص كريمة ميّز وخُصّ بها دون غيره من الشهور، فمنها ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِيْنُ "، ومنها أنه شهر العبودية لله، وتحقيق التقوى والتي هي أعظم وأجل ثمرة للصيام:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِــــبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَــــامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقٌـــونَ}، ولنا معها وقفـــــة بإذن الله في هذه السلسلة المبــــاركة .

       ومن خصائص رمضان أنه  شهر الصبر؛ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فهو شهر يربي النفس على الصبر بجميع أنواعه، ولذلك كان أجر الصائم مما لا يعلمه إلا الله، قال الله في الحديث القدسي:" إِلَّا الصَّومَ فَإِنَّهُ لِيْ وَأَنَا أَجْزِيْ بِهِ "، وقال سبحانه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .ومنها أنه شهر المغفرة والرضوان ففي الحديث المتفق عليه:" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "، " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .

       ومن خصائص رمضان أنه شهر المواساة والرحمة والإحسان، والكرم والجود والعرفان، ففي الحديث المتفق على صحته:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ "، ومن خصائصه أن فيه ليلة القدر التي قال الله فيها:{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، ومن خصائصه أن عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته . 

        ومن خصائصه أنه شهر العتق من النيران، فلله سبحانه عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة من ليالي رمضان كما عند الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني، ومن أعظم خصائصه، وأجل سماته أنه شهر القرآن:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ}، فيا أهل القرآن ! ويا أمة القرآن ! أقبلوا على القرآن، فو الله وتالله وبالله إن في الإقبال عليه العز والشرف، والسمو والرفعة في الدنيا والآخرة:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسْأَلُونَ} .

        جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وجعلنا من عتقائه في شهر القرآن، ونسأله سبحانه أن يبلغنا رمضان، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا؛ إنه سميع قريب مجيب .   

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الخامس


فضائل الصيام


       إن الصيام عبادة عظيمة، وطاعة جليلة، وقربة شريفة، فيها فوائدة كثيرة، وثمار كريمة، ولها فضائل جمة، فهو من أعظم أسباب تزكية النفوس، وإصلاح القلوب، وحفظ الجوارح والأركان من الشرور والعصيان، ففي الحديث المتفق على صحته:" يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ "، وفي المتفق عليه أيضا قال صلى الله عليه وسلم:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ " فهو وقاية مما يوقع في غضب الله، وحماية مما يوجب عقاب وعذابه، وعند أحمد في المسند:" الصِّيَــــامُ جُنَّــــــةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْــدُ مِــنْ النَّارِ "، حسنه الأرنؤوط والألباني .

       يكفي الصيام شرفا وفضلا أن الله سبحانه الجواد الكريم الرحمن الرحيم اختصه من بين سائر الأعمال فأضاف جزاءه وأجره وثوابه إلى نفسه الكريمة وذاته العلية ففي الحديث المتفق عليه واللفظ لمسلم:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي "، والصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة، ففي مسند أحمد ومستدرك الحاكم وصححه الألباني:" الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ " .

       ومن فضائل الصيام أنه من أسباب استجابة الدعاء ومما يشير إلى ذلك ذكر آية إجابة الدعاء بين ثنايا آيات الصيام، وهي قوله سبحانه:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } ولنا بإذن الله في هذه السلسلة المباركة وقفة أو وقفات مع هذه الآية الكريمة لمعرفة معناها والوقوف على أسرراها .

       ومن فضائل الصيام أن لأصحابه في الجنة بــابــا خاصا لا يدخل منه غيرهم، ففي الحديث المتفق عليه:" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " تأمل قوله صلى الله عليه وسلم:" يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ " فيه إشارة إلى ارتواء أصحابه يوم القيام من عطشهم في الأيام الخالية، فالجزاء من جنس العمل، وهذا شرف عظيم ومزية كريمة، جعلنا الله من أهل هذا الباب بمنه وفضله وكرمه .

      وكذلك من فضائل الصيام أن الرائحة التي تنبعث من فم الصائم نهارا وتعافها النفوس وتتقزز منها هي أطيب عند الله أطيب ريحا من المسك، ففي الحديث المتفق على صحته:" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " ومن فضائل الصيام أن الصائم يفرح بصومه إذا لقي ربه تبارك وتعالى، ففي الحديث المتفق على صحته:" لِلصَّائِم فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ "، فهنيئا لمن كان فرحا مسرورا في ذلك اليوم:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }، ويا تعاسة وشقاوة من كان باكيا حزينا على ما فرط في جنب الله، وتعدى من حدود الله، وانتهك من حرمات الله، عافانا الله ووقانا، وغفر لنا ورحمنا وعفا عنا، إنه سميع قريب مجيب .

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الرابع

لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان


       إن الأيام والشهور إنما تتفاضل بما فيها من الأعمال الصالحة، والسعيد من عمر تلك الأيام والساعات بما فيه رضى رب الأرض والسماوات، وها هو ذا شهر شعبان الذي تشعبت فيه الخيرات، فكان من أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان كما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها، والحكمة من ذلك ما صح بيانه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيْهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِيْنَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِيْ وَأَنَا صَائِمٌ " .

        إن شهر شعبان قد تصرمت أيامه، وقوضت خيامه وها هي ذي أفضل ليلة فيه على الأبواب ألا وهي ليلة النصف من شعبان، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِيْ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيْعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ " رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .

      فيا أيها الحبيب إياك إياك من عمل يكون سببا في حرمانك من مغفرة الله سبحانه لك، فالحذر الحذر من الشرك جليه وخفيه، كبيره وصغيره، تفقد نفسك، وقف على عوارها فأصلحه:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيْمٌ}، والحذر الحذر من الشحناء والبغضاء التي تفسد القلوب وتورث النفوس سوءا، والطوية خبثا، سارع بتهذيب نفسك، وتنقيتها من الغل والضغينة على إخوانك حتى تنال مغفرة الله ورحمته، أم أنك في غنى عن مغفرته ورحمته وكرمه وجوده، تعرض لنفحات الله ومنحه وهباته، وليكن حالك حال من يقول :

سَألْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُـــــذنِبِ *** وَإِنْ كثُـــــــــرَتْ مِنْــــــــــــهُ إِلـيَّ الجَــــــــرائــــــمُ
فـمَا الـنَّـــــــاسُ إِلَّا وَاحِــــــــــدٌ مِـنْ ثَــــــلاثَــــــــةٍ *** شَــــــرِيفٍ ومَشْـــــــــرُوفٍ ومِـثــــــلٍ مُقَــــاومُ
فـأمَّا الَّــــــذِي فَـوقِـــــي فَـأعـــــــــــرِفُ قَـــــــــدرَهُ *** وَأتـْــبَـــــــــعُ فـِيـــــــهِ الحــــــــــقَّ والحـــــــــــقُّ لازمُ
وأمـّا الَّــــــــذِي دُونـــــــــِي فَـأحــــــــلُمُ دَائِبـــــــــاً *** أصُـــــــونُ بِـــــــــهِ عِـــــرْضِـي وَإِنْ لَامَ لَائِــمُ
وأمَّـا الَّــــــــذِي مِثْـلِــــي فإن زلّ أو هَـــفَـــــــا *** تفضّلتُ إنَّ الفَضْـــــلَ بِالفَخْـــــرِ حَاكمُ

      والحذر كل الحذر من سلوك سبيل أهل البدع في تفضيل هذه الليلة بتخصيص ليلها بقيام، ونهارها بصيام فإن ذلك لم يرد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، وفعل ذلك من مجانبة هديه صلى الله عليه وسلم، وفعل غير سنته صلى الله عليه وسلم، وإنما الواجب فعله هو التطهر من الشرك بجميع أنواعه، ونزع الضغائن والغل من القلب، والعفو والصفح عمن أساء عليك، وأخطأ في حقك، والله المستعان .

     اللهم بـــارك لنـــا في شعبـــان وبلغنــا رمضـــان، واغفر لنا وارحمنا يا غفور يا رحمن، يا كريم يا منان .

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الثالث

مسائل مهمة قبل دخول رمضان


المسألة الأولى : قضاء رمضان الماضي : من كان عليه قضاء أيام من رمضان الماضي لزمه المبادرة والمسارعة في قضائها قبل دخول رمضان القادم، فتأخيرها إلى ما بعد رمضان تسويفا وتهاونا من غير عذر ليس من تعظيم أمر الله تبارك وتعالى، ولذا إذا أخرها حتى دخل رمضان فهو آثم وعليه بعد رمضان المبادرة في قضائها، ويلزمه مع القضاء الإطعام عن كل يوم مسكينا، وهو مذهب جمهور العلماء .


المسألة الثانية : الصيام قبل رمضان : من كانت له عادة في الصيام كصيام يوم وإفطار يوم، أو صيام الاثنين والخميس ونحو ذلك أو كان عليه نذر أو قضاء فهذا يجوز له أن يصوم من أول شعبان ووسطه وآخره، والإكثار من التطوع في شهر شعبان مستحب ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيْلاً، ولكن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيما صححه الألباني:" إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوْا "، والنهي هنا إما للكراهة أو التحريم وهو في حق من تعمد الصوم بعد النصف ولم تكن له عادة في الصيام، ولم يكن عليه نذر أو قضاء وأراد أن يتطوع بعد دخول النصف ولم يوصل صيام ما بعد النصف بما قبله، أما من كانت له عادة في الصيام، أو عليه نذر أو قضاء، أو وصل الصوم بعد النصف بما قبله فلا يشمله النهي، ومما يدل على ذلك الحديث المتفق عليه:" لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ "، وهو دليل أيضا على النهي عن الصيام قبل رمضان احتياطا لرمضان لئلا يزاد في رمضان ما ليس منه، وليفصل بين صيام الفرض والنفل.

الأحد، 23 يونيو 2013

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الثاني


ثبوت رمضان وشروط وجوبه وصحته وأركان صيامه


ثبوت الشهر : يثبت شهر رمضان برؤية شاهد عدل، وكذلك بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم:" صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ "، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : تراءى الناسُ الهلالَ، تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ . رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني .

شروط وجوب رمضان : بمعنى من الذي يجب عليه صيام رمضان ؟ يجب صيام رمضان أداء على كل من جمع أوصافا ستة هي:
الأول : الإسلام : فلا يجب الصوم على الكافر لكنه مطالب به محاسب عليه في الآخرة؛ لأنه مخاطب بفروع الشريعة، محاسب عليها كما هو محاسب على ترك أصل الإسلام، فإذا أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر عليه صيام ما بقي من الشهر إجماعا، ولا يلزمه قضاء ما مضى من أيام الشهر باتفاق الأئمة الأربعة، وأما ما فاته من الصوم زمن كفره فلا قضاء عليه إجماعا؛ وكذلك الكافر المرتد ليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته وهو قول الجمهور، أما ما عليه من الصوم قبل ردته فعليه قضاؤه وهو قول الجمهور، وذهب المالكية إلى أنه لا قضاء عليه .
الثاني : البلوغ : فالصبي لا يجب عليه الصوم حتى يبلغ إجماعا، ففي مسند أحمد قوله صلى الله عليه وسلم وصححه الرنؤوط والألباني:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمُصَابِ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ "، إلا أنه إذا كان يطيق الصوم قبل البلوغ ولا ضرر عليه فيه فعلى وليه أن يأمره بالصوم ليتعوده؛ وهو قول الجمهور، فإذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان فإنه يصوم بقية الشهر ولا قضاء عليه لما سبق، وهو قول جماهير أهل العلم،وإن بلغ أثناء نهار رمضان يمسك بقية يومه ولا قضاء عليه وهو مذهب الشافعية واختيار ابن تيمية . 
الثالث : العقل : فلا يجب الصوم على المجنون لزوال عقله، إجماعا، فإذا أفاق المجنون أثناء الشهر  صام بقية الشهر ولا قضاء عليه لما سبق وهو مذهب جماهير أهل العلم، وكذا إن أفاق أثناء النهار أمسك بقية اليوم ولا قضاء عليه وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية، ومن كان يجن أحيانا ويفيق أحيانا يجب عليه الصوم حال إفاقته ويسقط عنه حال جنونه؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
الرابع : القدرة : فلا يجب الصوم على العاجز عنه لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، ونقل الإجماع على ذلك ابن تيمية وغيره .
الخامس : الإقامة : فلا يجب الصوم على المسافر أداء إجماعا، فقد رخص له الشارع في الفطر وإنما يجب عليه قضاءً لما أفطر في أيام أخر، قال سبحانه:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيْضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
السادس : الطهارة من الحيض والنفاس : فلا يجب الصوم فرضا أو نفلا على الحائض والنفساء أداء إجماعا، وإنما يجب عليهما قضاء لما أفطرتا في أيام أخر إجماعا، ففي الحديث المتفق عليه عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ, وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ, فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ . 

شروط صحة رمضان : بمعنى من الذي يصح منه صيام رمضان ؟ يصح رمضان من كل من جمع أوصافا أربعة هي: 
أولا : الإسلام : فلا يجب الصوم على الكافر ولا يصح منه إذا صام لأنه ليس من أهل العبادة، وكل عمل مع الكفر محبط؛ قال الله سبحانه:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} قال ابن كثير رحمه الله: وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ، انتهى . وفي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ:" لاَ يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِيْ خَطِيئَتِيْ يَوْمَ الدِّينِ " .
ثانيا : العقل : لا يجب الصوم على المجنون ولا يصح منه لانعدام أهلية العبادة، ففي مسند أحمد وصححه الأرنؤوط والألباني قال صلى الله عليه وسلم:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ أَوْ قَالَ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَشِبَّ " .
ثالثا : التمييز : لا يجب الصوم على الصبي حتى يبلغ ولا يصح منه حتى يميّز لعدم علمه بمقصد العبادة ومعناها . 
رابعا : الطهارة من الحيض والنفاس : فالمرأة الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم أداء بل يحرم عليهما الصوم فرضا أو نفلا إجماعا، ولا يصح منهما إذا صامتا، وعليهما القضاء إجماعا، وفي الحديث المتفق عليه عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ, وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ, فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ .

أركان صيام رمضان : لصيام رمضان ثلاثة أركان هي :

الأول : النية : وهي القصد؛ ومحلها القلب لقوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات ".
الثاني : الإمساك عن جميع المفطرات : يجب على الصائم الامتناع عن كل ما يبطل صومه من الأكل والشرب والجماع وجميع المفطرات .
الثالث : استيعاب زمن الإمساك : ويبدأ زمن الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الثاني، وينتهي بغروب الشمس  .