الشَّعْبُ يُرِيْدُ إِسْقَاطَ ...!!!؟؟
لقد ثارت شعوب وانتفضت أقطار، ثارت على الطغيان والجبروت والاستعباد، ثارت لتنال حريّتها، فكم استُعْبِدَت سنيناً، واضْطُّهِدَت أعواماً، آن لها أن تدفع الظلم وتغلبه، وتذلّ الطغيان وتهينه، وتقمع الباطل وتهزمه، وهذا ما حدث وحصل فيما سمّي بربيع الثورات العربية، إنها الثورة لأجل الحريّة ... وما أغلى الحريّة، ارتفعت الشعارات التي تنادي بإسقاط تلك الأنظمة المستبدّة، والحكومات الجائرة، لقد امتلأت آفاق تلك الأقطار، ورجّت أرجاء تلك البلدان: الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إسقاط الرئيس .
ومن وحي ربيع تلك الثورات العربية؛ كما انتفضت تلك الشعوب لأجل الحرية؛ وما أغلى الحرية !! وما أجمل الحرية !! كما ثارت تلك الشعوب لإسقاط تلك الأنظمة المستبدّة، هناك ثورة ينبغي على الشعوب أن تسعى جاهدة في إشعال شرارتها، وتصطلي بقبسها، ثورة ينبغي على الشعوب كل الشعوب أن تشارك فيها، بجميع فئاتها ذكوراً وإناثاً، شيباً وشباباً، إنها ثورة مُطالبٌ بها جميع شرائح شعوب المعمورة، الإنسان جنس الإنسان، بأيّ لون أو صفة، ومن أيّ قطر أو بلد، وأيّاً كانت لغته أو لهجته، إنها ثورة الإنسانية أجمع ... إن كانت ثورة بعض البلاد العربية لأجل الحريّة، فهذه الثورة لأجل تحقيق أغلى الحريّات وأعلاها، وأعظمها وأسماها، وأثمنها وأرقاها، إن كانت ثورة بعض البلاد العربية لإسقاط نظام مستبدٍّ، فهذه الثورة لإسقاط رأس الشرور وعنوان الاستبداد، إنّها ثورة تختلف عن الثورات العربية لأنها مقدمّة عليها، إذ هي الأساس الذي تبنى عليه، والأصل الذي تنتسب إليه .
إن هذه الثورة أخي الحبيب هي ثورة لتحقيق الحريّة من عبوديّة غير الله إلى عبوديّة الله، إذ العبوديّة لغير الله سبحانه تعاسة وشقاء، وحرمان وبلاء، وخسران الآخرة والأولى:" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ؛ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطََ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ "، إنها ثورة لتحقيق العبودية لله؛ والسعادة الدنيوية والأخروية الأبديّة السرمديّة منوطة بالتزام عتبة عبوديّة الله سبحانه، فمن لزم عتبة العبودية نال السعادة الأبديّة، ثورة لإسقاط الذنوب والخطايا بالانتصار على الطواغيت، ورأس الطواغيت إبليس:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }[يس:60ـ61]، ثورة لتحقيق الحرية من عبودية النفس التي بين جنبيك:{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ }[يوسف:53]، ثورة لتحقيق الحريّة من عبوديّة الهوى، فقتيل الهوى خاسر محروم:{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }[الجاثية:23]، إنها ثورة على طغيان النفس والهوى والشيطان والشهوات:{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }[آل عمران:14]، المرجع إلى الله سبحانه شئنا أم أبينا فلا مردّ لنا إلا إليه، فلم لا يكون الرجوع منّا إلى الله سبحانه ونحن ما زلنا في زمن الإمهال عن طواعية وتذلل وخضوع واستسلام، لأن إخلاص العبودية لله على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفيل بتحريرنا من عبوديّة غير الله، وهو كذلك كفيل بتصحيح مسار ثوراتنا على الطواغيت البشرية التي حكمت رقاب العباد بغير حكم الله الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساستهم بغير منهج الله، تركت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقـادتهم بحثالة أذهان البشـرية، وزبـالة أفكار الإنسانية؛ شرقية كانت أم غربية:{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[ المائدة:50] .
والله وبالله وتالله إن عزّنا وسموّنا وعلوّنا ورفعتنا ومجدنا وسعادتنا في العبودية لله والأخذ بوحي الله؛ كتاباً وسنةً:{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[الأنبياء:10]، إنه الشرف العظيم الذي سنسأل عن تضييعه وهجره وعدم التمسّك والأخذ به:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }[الزخرف:44]، أما آن لنا أن نرفع شعار: الشعب يريد إسقاط الذنوب، حريّة حريّة خالصة لله، حريّة حريّة توبة لله:{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ }[الحديد:16] .
الله سبحانه يحب منّا أن نسقط ذنوبنا بالتوبة إليه والإقبال عليه:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزمر:53]، بل إن الله سبحانه يفرح منّا أن نبذل الجهد ونشمّر عن ساعد الجدّ لإسقاط ذنوبنا:" لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ؛ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِيْ ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِيْ وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ " .
فنسأل الله سبحانه أن يسقط عنا ذنوبنا بغفرانها، ويزيل عنا سيئاتنا بتكفيرها، ويذهب عنا عيوبنا بتطهيرها، ويرحمنا برحمته، ويحررنا من كل عبوديّة إلا عبوديّته؛ إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق
علّق هنا