الأحد، 23 يونيو 2013

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام



الدرس الثاني


ثبوت رمضان وشروط وجوبه وصحته وأركان صيامه


ثبوت الشهر : يثبت شهر رمضان برؤية شاهد عدل، وكذلك بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم:" صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ "، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : تراءى الناسُ الهلالَ، تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ . رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني .

شروط وجوب رمضان : بمعنى من الذي يجب عليه صيام رمضان ؟ يجب صيام رمضان أداء على كل من جمع أوصافا ستة هي:
الأول : الإسلام : فلا يجب الصوم على الكافر لكنه مطالب به محاسب عليه في الآخرة؛ لأنه مخاطب بفروع الشريعة، محاسب عليها كما هو محاسب على ترك أصل الإسلام، فإذا أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر عليه صيام ما بقي من الشهر إجماعا، ولا يلزمه قضاء ما مضى من أيام الشهر باتفاق الأئمة الأربعة، وأما ما فاته من الصوم زمن كفره فلا قضاء عليه إجماعا؛ وكذلك الكافر المرتد ليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته وهو قول الجمهور، أما ما عليه من الصوم قبل ردته فعليه قضاؤه وهو قول الجمهور، وذهب المالكية إلى أنه لا قضاء عليه .
الثاني : البلوغ : فالصبي لا يجب عليه الصوم حتى يبلغ إجماعا، ففي مسند أحمد قوله صلى الله عليه وسلم وصححه الرنؤوط والألباني:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمُصَابِ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ "، إلا أنه إذا كان يطيق الصوم قبل البلوغ ولا ضرر عليه فيه فعلى وليه أن يأمره بالصوم ليتعوده؛ وهو قول الجمهور، فإذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان فإنه يصوم بقية الشهر ولا قضاء عليه لما سبق، وهو قول جماهير أهل العلم،وإن بلغ أثناء نهار رمضان يمسك بقية يومه ولا قضاء عليه وهو مذهب الشافعية واختيار ابن تيمية . 
الثالث : العقل : فلا يجب الصوم على المجنون لزوال عقله، إجماعا، فإذا أفاق المجنون أثناء الشهر  صام بقية الشهر ولا قضاء عليه لما سبق وهو مذهب جماهير أهل العلم، وكذا إن أفاق أثناء النهار أمسك بقية اليوم ولا قضاء عليه وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية، ومن كان يجن أحيانا ويفيق أحيانا يجب عليه الصوم حال إفاقته ويسقط عنه حال جنونه؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
الرابع : القدرة : فلا يجب الصوم على العاجز عنه لقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، ونقل الإجماع على ذلك ابن تيمية وغيره .
الخامس : الإقامة : فلا يجب الصوم على المسافر أداء إجماعا، فقد رخص له الشارع في الفطر وإنما يجب عليه قضاءً لما أفطر في أيام أخر، قال سبحانه:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيْضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
السادس : الطهارة من الحيض والنفاس : فلا يجب الصوم فرضا أو نفلا على الحائض والنفساء أداء إجماعا، وإنما يجب عليهما قضاء لما أفطرتا في أيام أخر إجماعا، ففي الحديث المتفق عليه عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ, وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ, فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ . 

شروط صحة رمضان : بمعنى من الذي يصح منه صيام رمضان ؟ يصح رمضان من كل من جمع أوصافا أربعة هي: 
أولا : الإسلام : فلا يجب الصوم على الكافر ولا يصح منه إذا صام لأنه ليس من أهل العبادة، وكل عمل مع الكفر محبط؛ قال الله سبحانه:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} قال ابن كثير رحمه الله: وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا، فتكون أبعد من القبول حينئذ، انتهى . وفي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ ؟ قَالَ:" لاَ يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِيْ خَطِيئَتِيْ يَوْمَ الدِّينِ " .
ثانيا : العقل : لا يجب الصوم على المجنون ولا يصح منه لانعدام أهلية العبادة، ففي مسند أحمد وصححه الأرنؤوط والألباني قال صلى الله عليه وسلم:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ أَوْ قَالَ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَشِبَّ " .
ثالثا : التمييز : لا يجب الصوم على الصبي حتى يبلغ ولا يصح منه حتى يميّز لعدم علمه بمقصد العبادة ومعناها . 
رابعا : الطهارة من الحيض والنفاس : فالمرأة الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم أداء بل يحرم عليهما الصوم فرضا أو نفلا إجماعا، ولا يصح منهما إذا صامتا، وعليهما القضاء إجماعا، وفي الحديث المتفق عليه عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ, وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ, وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ, فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ, وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ .

أركان صيام رمضان : لصيام رمضان ثلاثة أركان هي :

الأول : النية : وهي القصد؛ ومحلها القلب لقوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات ".
الثاني : الإمساك عن جميع المفطرات : يجب على الصائم الامتناع عن كل ما يبطل صومه من الأكل والشرب والجماع وجميع المفطرات .
الثالث : استيعاب زمن الإمساك : ويبدأ زمن الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر الثاني، وينتهي بغروب الشمس  .

سلسلة الإعلام بأحكام الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم



      هذه سلسلة بإذن الله سأستمر فيها خلال الأيام المتبقية من شهر شعبان نتعرف فيها وإياكم على جملة من أحكام الصيام ، لكي يكون الواحد منا على بصيرة في عبادته لربه، أسميتها:" الإعلام بأحكام الصيام "، وهذا هو الدرس الأول من هذه السلسلة المباركة .


الصيام تعريفه وفرضيته


تعريف الصوم لغة : الإمساك، ومنه قوله تعالى:{إِنِّيْ نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَومًا} أي إمساكا عن الكلام، وشرعا: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس تعبدا لله عز وجل .


فرضية الصيام : ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، ففي الكتاب قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وفي السنة أحاديث كثيرة منها: حديث ابن عمر المتفق على صحته، قال فيه صلى الله عليه وسلم :"  بُنِيَ الإسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ " وذكر منها :" وَصَومِ رَمَضَانَ "، وانعقد الإجماع على وجوب الصوم، فوجوبه من المعلوم من الدين بالضرورة، وجاحده كافر بالله العظيم، وأما تاركه كسلا وتهاونا فعلى خطر عظيم، لتركه أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام, وارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب والآثام .

      لقد كانت فرضية الصيام في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد صام تسع رمضانات، ولمشقة الصيام كانت بداية فرضية  صيام شهر رمضان بالتدريج، فكان أولا تخييرا بينه وبين الإطعام، ثم ثبت وجوبه إلا من أباح له الشارع الترخص في الفطر، قال ابن القيم رحمه الله:وكان للصوم رُتَبٌ ثلاث، إحداها: إيجابُه بوصف التخيير. والثانية: تحتُّمه؛ لكن كان الصائمُ إذا نام قبل أن يَطْعَمَ حَرُمَ عليه الطعامُ والشرابُ إلى الليلة القابلة، فنُسِخ ذلك بالرتبة الثالثة: وهي التي استقر عليها الشرعُ إلى يوم القيامة .