الأربعاء، 29 يونيو 2011

المِفْـتـَـاحُ



المِفْـتـَـــاحُ

     أتدري ما هو أعظم مفتــاح ؟ أتدري ما هو المفتــاح الذي يوصلك إلى الكنز العظيم الذي تسعد به سعادة الأبد ؟ إنه المفتــاح الذي تحيا به حياة مطمئنة، الذي لا ولوج لك في دار السلامة إلا به، وبذلك يكون السّلامة من دار التّعـاسة والشقـاوة، إنه مفتـاح دعوة الأنبياء والمرسلين، ومفتـاح قبول جميع الأعمال والأقوال عند رب العالمين، ومفتاح الدخول في الإسلام لكل الـراغبين .


     إنه المفتـاح العظيم، الجليل، الكبيـر، إنه شهـادة التوحيد، شهـادة الإخـلاص والاتّبـاع، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله -صلّى الله وسلّم على نبينا محمّد-، فهذا المفتـاح العظيم يعني توحيد الله وتجريـد القلب من التعبّـد والتألّه لأحد سوى الله سبحانه، ويعني توحيد الاتّبـاع فلا اتّبـاع إلا لرسـول الله -صلّى الله عليه وسلّم-في التألّـه والتعبد لله، فلا نعبـد إلا الله وحده، ولا نعبـده إلا بما شـرع سبحانه على لسـان رسـوله -صلّى الله عليه وسلّم-، قـال سبحـانه:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُـو لِقَـاءَ رَبِّـهِ فَلْيَعْمَـلْ عَمَـلًا صَالِحًـا وَلَا يُشْـرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }[الكهف:110] .


     إن هذا المفتــاح العظيم لا دخول إلى الجنّة إلا لمن أتى به، ولا بد من الإتيان به بأسنانه لأنه لا فتح للباب بمفتـاح بلا أسنـان، وأسنـان هذا المفتـاح العظيم شـرائـع الإسـلام من الأقـوال والأعمال، فقـول لا إله إلا الله وحده لا يكفي بل لا بـدّ من العمـل، فالإيمـان قــول وعمـل، قال ابن القيّـم - رحمه الله - في الكافيـة الشافيـة:

هَـذَا وَفَتْــحُ البَابِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ  *** إِلَّا بِمِفْـتَـــاحٍ عَـــلَـى أَسْنَــــانِ
مِفْتَاحُهُ بِشَهَادَةِ الإِخْـلَاصِ وَالتْـ *** تَـوحِيـدِ تِلْـكَ شَهَــادَةُ الإِيْمَــانِ
أَسْنَانُهُ الأَعْمَالُ وَهْيَ شَرَائِعُ الْـ *** إِسْــلَامِ وَالْمِفْـتَــاحُ بِِالأَسْنَــــانِ

      فهـذا الأصـل العظيم هو أصـل الأصول، ومدار الفلاح عليه، وفقهه وعلمه هو الفقه والعلم كله، وبقدر العلم والفقـه له يكون نـور القلب وحيـاته، وكلما عظم نور القلب أحرق من الشّبهات ودفع من الشّهوات بحسب قوته وعظمته، وأهل الإسـلام في ذلك ليسـوا سـواء، جعلنا الله ممن عظم فقهـه في هذا الأصـل العظيـم وزاد علمـه به؛ إن ربّـي سميـعٌ قـريبٌ مجيبٌ .

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

لَـيْــسَ الْـغَـــرِيـْـبُ



لَـيْــسَ الْـغَـــرِيـْـبُ



لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ *** إِنَّ الغَــريبَ غَـريبُ اللَّحــدِ والكَفَـــنِ

إِنَّ الغَـــريِبَ لَـــهُ حَــــقٌّ لِغُــرْبَتـِهِ *** على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ

سَفَــري بَعيــدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَـنـي *** وَقُـــوَّتي ضَعُـفَـتْ والمـــوتُ يَطلُبُنـي

وَلي بَقـايــَـا ذُنـوبٍ لَسْـتُ أَعْلَمُهـا *** الله يَعْـلَمُهــا فــيْ السِّـــــرِِّ والعَـلَــــنِ

مـَا أَحْلَـمَ اللهَ عَنِّـي حَيْـثُ أَمْهَـلَـني *** وقَـدْ تَمــادَيْتُ فِـيْ ذَنْبـي ويَسْتُــرُنِـي

تَمُـرُّ ســاعــاتُ أَيَّـــامي بِـلا نَـــدَمٍ *** ولا بُكــــاءٍ وَلا خَــــوْفٍ ولا حَـــزَنِ

أَنَـا الَّـذِي أُغْلِـقُ الأَبْـوابَ مُجْتَهِـداً *** عَلى المعـاصِي وَعَيـْنُ اللهِ تَنْظُــرُنـي

يَـا زَلَّــةً كُتِبَـتْ في غَفْــلَـةٍ ذَهَبَــتْ *** يَـا حَسْـرَةً بَقِيَــتْ في القَـلـبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُـوحُ عَلى نَفْــسي وَأَنْدِبُهـا *** وَأَقْطَــعُ الـدَّهْــرَ بِالتَّـذْكِيــرِ وَالحَـــزَنِ

كَأَنَّني بَيـنَ تلـك الأَهــلِ مُنطَــرِحــاً *** عَـلــى الفِـــراشِ وَأَيْــديهِـمْ تُقَـلِّـبُـنِيْ

وَقــد أَتَــوْا بِطَبيبٍ كَــيْ يُعـالِجَـنـي *** وَلَـمْ أَرَ الطِّــبَّ هــذا اليـــومَ يَنْفَعُـنـيْ

واشْتَدَّ نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها *** مِِـن كُـلِّ عِــرْقٍ بِلا رِفــقٍ ولا هَــوَنِ

واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها *** وَصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني

وَغَمَّضُـوني وَراحَ الكُـلُّ وانْصَرَفـوا *** بَعْـدَ الإِيـَاسِ وَجَـدُّوا في شِـرَا الكَفَـن

وَقامَ مَنْ كانَ أَحَبَّ النّاسِ في عَجَـلٍ *** نَحْــــوَ المُغَـسِّـــلِ يَـأْتينــي يُغَسِّــلُنـي

وَقــالَ يــا قَـوْمِ نَبْغِي غاسِـلاً حَـذِقـاً *** حُــرًّا أَرِيبـاً لَبِيبــاً عَــارِفــــاً فَطِــــنِ

فَجـــاءَني رَجُـــلٌ مِنْهُـمْ فَجَــرَّدَنــي *** مِـــنَ الثِّيــابِ وَأَعْــرَانــي وأَفْــرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَــرِحـاً *** وَصـَارَ فَوْقي خَــرِيرُ المــاءِ يَنْظِفُني

وَأَسْكَبَ المـاءَ مِنْ فَـوقي وَغَسَّلَني *** غُسْـلاً ثَلاثـــاً وَنَـــادَى القَــوْمَ بِالكَفَــنِ

وَأَلْبَسُـوني ثِيــابـــاً لا كِمــامَ لهـــا *** وَصـارَ زَادي حَنُـوطِي حيـنَ حَنَّطَنـيْ

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَـوا أَسَفـــاً *** عَـلـى رَحِيـْــــلٍ بِــــلا زادٍ يُبَـلِّغُـنـــيْ

وَحَمَّلــوني على الأْكتــافِ أَربَعَــةٌ *** مِــنَ الـرِّجــالِ وَخَلْفِـي مَـنْ يُشَيِّعُـنـي

وَقَدَّموني إِلى المِحْرَابِ وانصَرَفوا *** خَلْــفَ الإِمـَـامِ فَصَـلَّى ثـــمّ وَدَّعَـنــيْ

صَلَّـوْا عَلَـيَّ صَـلاةً لا رُكـــوعَ لهـا *** ولا سُجـــودَ لَعَــــلَّ اللـهَ يَرْحَمُـنــي

وَأَنْزَلـوني إلـى قَبْــرِي على مَهَـــلٍ *** وَقَــدَّمُـــوا واحِــــداً مِنهـم يُلَحِّـــدُنـي

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني *** وَأَسْكَـبَ الدَّمْـعَ مِنْ عَيْنيـهِ أَغْرَقَـنـي

فَقـــامَ مُحتَرِمـــاً بِالعَــزمِ مُشْتَمِـــلاً *** وَصَفَّفَ اللَّبِـنَ مِـنْ فَــوْقِي وفـارَقَـنِـي

وقَالَ هُلُّــوا عليه التُّـرْبَ واغْتَنِموا *** حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمـنِ ذِي المِنَــنِ

في ظُلْمَــةِ القبــرِ لا أُمٌّ هنــــاك ولا *** أَبٌ شَفـيـــــــقٌ ولا أَخٌ يُـــؤَنِّـسُــنــيْ

فَرِيــدٌ وَحِيــدُ القبـــرِ، يــــا أَسَفــــاً *** عَلى الفِـــراقِ بِــلا عَمَـــلٍ يُـــزَوِّدُني

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَـرَتْ *** مِنْ هَوْلِ مَطْلَـعِ ما قَــدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَــرٍ ونكيــرٍ مــا أَقـــولُ لهـم *** قَــدْ هــَالَني أَمْــرُهُمْ جِــداً فَأَفْــزَعَـني

وَأَقْعَــدوني وَجَــدُّوا فــي سُــؤالِهـِمُ *** مَـالِــي سِـــوَاكَ إِلـهـي مَــنْ يُخَلِّصُنِـي

فَامْنُـنْ عَلَيَّ بِعَفْــوٍ مِنـك يــا أَمَلــي *** فَإِنَّـنــي مُـوثَـــقٌ بِالــذَّنْــبِ مُــرْتَهـَـــنِ

تَقاسمَ الأهْـلُ مالي بعدما انْصَـرَفُـوا *** وَصَـارَ وِزْرِي عَلى ظَـهْـرِي فَأَثْقَلَني

واستَبْـدَلَـتْ زَوجَتي بَعْـلاً لهـا بَدَلـي *** وَحَكَّمَـتْــهُ فِــي الأَمْـــوَالِ والسَّــكَــنِ

وَصَيَّـــرَتْ وَلَــدي عَبْـــداً لِيَخْدُمَـهَــا *** وَصَــارَ مَــالي لهـم حــِلاً بِـلا ثَمَــنِ

فَــــلا تَـغُــرَّنَّــــكَ الدُّنْيـــا وَزِينَتُـهـا *** وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْـلِ والوَطَــنِ

وانْظُـرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها *** هَـلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْــطِ والكَفَــنِ

خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَــاك وارْضَ بِهــا *** لَـــوْ لـمْ يَكُــنْ لَكَ إِلا رَاحَــةُ البَـــدَنِ

يَـا زَارِعَ الخَيْـرِ تحصُـدْ بَعْـــدَهُ ثَمَــراً *** يَا زَارِعَ الشَّـرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يَا نَفْسُ كُفِّي عَـنِ العِصْيـانِ واكْتَسِبِي *** فِعْـــلاً جميـــلاً لَـعَــلَّ اللهَ يَـرحَـمُنـي

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَنــاً *** عَسى تُجـازَيْنَ بَعْـدَ المـوتِ بِالحَسَــنِ

ثمَّ الصّـــلاةُ على الْمُختــارِ سَيِّــدِنـــا *** مَا وَضَّـــأَ البَرْقُ في شَـامٍ وفي يَمَــنِ

والحَـمْــــدُ لله مُمْـسِينَــا وَمُصْبِحِـنَـــا *** بِالخَيْــرِ والعَـفْــوْ والإِحْسـانِ وَالمِنَــنِ