الثلاثاء، 28 يونيو 2011

لَـيْــسَ الْـغَـــرِيـْـبُ



لَـيْــسَ الْـغَـــرِيـْـبُ



لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ *** إِنَّ الغَــريبَ غَـريبُ اللَّحــدِ والكَفَـــنِ

إِنَّ الغَـــريِبَ لَـــهُ حَــــقٌّ لِغُــرْبَتـِهِ *** على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ

سَفَــري بَعيــدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَـنـي *** وَقُـــوَّتي ضَعُـفَـتْ والمـــوتُ يَطلُبُنـي

وَلي بَقـايــَـا ذُنـوبٍ لَسْـتُ أَعْلَمُهـا *** الله يَعْـلَمُهــا فــيْ السِّـــــرِِّ والعَـلَــــنِ

مـَا أَحْلَـمَ اللهَ عَنِّـي حَيْـثُ أَمْهَـلَـني *** وقَـدْ تَمــادَيْتُ فِـيْ ذَنْبـي ويَسْتُــرُنِـي

تَمُـرُّ ســاعــاتُ أَيَّـــامي بِـلا نَـــدَمٍ *** ولا بُكــــاءٍ وَلا خَــــوْفٍ ولا حَـــزَنِ

أَنَـا الَّـذِي أُغْلِـقُ الأَبْـوابَ مُجْتَهِـداً *** عَلى المعـاصِي وَعَيـْنُ اللهِ تَنْظُــرُنـي

يَـا زَلَّــةً كُتِبَـتْ في غَفْــلَـةٍ ذَهَبَــتْ *** يَـا حَسْـرَةً بَقِيَــتْ في القَـلـبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُـوحُ عَلى نَفْــسي وَأَنْدِبُهـا *** وَأَقْطَــعُ الـدَّهْــرَ بِالتَّـذْكِيــرِ وَالحَـــزَنِ

كَأَنَّني بَيـنَ تلـك الأَهــلِ مُنطَــرِحــاً *** عَـلــى الفِـــراشِ وَأَيْــديهِـمْ تُقَـلِّـبُـنِيْ

وَقــد أَتَــوْا بِطَبيبٍ كَــيْ يُعـالِجَـنـي *** وَلَـمْ أَرَ الطِّــبَّ هــذا اليـــومَ يَنْفَعُـنـيْ

واشْتَدَّ نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها *** مِِـن كُـلِّ عِــرْقٍ بِلا رِفــقٍ ولا هَــوَنِ

واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها *** وَصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني

وَغَمَّضُـوني وَراحَ الكُـلُّ وانْصَرَفـوا *** بَعْـدَ الإِيـَاسِ وَجَـدُّوا في شِـرَا الكَفَـن

وَقامَ مَنْ كانَ أَحَبَّ النّاسِ في عَجَـلٍ *** نَحْــــوَ المُغَـسِّـــلِ يَـأْتينــي يُغَسِّــلُنـي

وَقــالَ يــا قَـوْمِ نَبْغِي غاسِـلاً حَـذِقـاً *** حُــرًّا أَرِيبـاً لَبِيبــاً عَــارِفــــاً فَطِــــنِ

فَجـــاءَني رَجُـــلٌ مِنْهُـمْ فَجَــرَّدَنــي *** مِـــنَ الثِّيــابِ وَأَعْــرَانــي وأَفْــرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَــرِحـاً *** وَصـَارَ فَوْقي خَــرِيرُ المــاءِ يَنْظِفُني

وَأَسْكَبَ المـاءَ مِنْ فَـوقي وَغَسَّلَني *** غُسْـلاً ثَلاثـــاً وَنَـــادَى القَــوْمَ بِالكَفَــنِ

وَأَلْبَسُـوني ثِيــابـــاً لا كِمــامَ لهـــا *** وَصـارَ زَادي حَنُـوطِي حيـنَ حَنَّطَنـيْ

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَـوا أَسَفـــاً *** عَـلـى رَحِيـْــــلٍ بِــــلا زادٍ يُبَـلِّغُـنـــيْ

وَحَمَّلــوني على الأْكتــافِ أَربَعَــةٌ *** مِــنَ الـرِّجــالِ وَخَلْفِـي مَـنْ يُشَيِّعُـنـي

وَقَدَّموني إِلى المِحْرَابِ وانصَرَفوا *** خَلْــفَ الإِمـَـامِ فَصَـلَّى ثـــمّ وَدَّعَـنــيْ

صَلَّـوْا عَلَـيَّ صَـلاةً لا رُكـــوعَ لهـا *** ولا سُجـــودَ لَعَــــلَّ اللـهَ يَرْحَمُـنــي

وَأَنْزَلـوني إلـى قَبْــرِي على مَهَـــلٍ *** وَقَــدَّمُـــوا واحِــــداً مِنهـم يُلَحِّـــدُنـي

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني *** وَأَسْكَـبَ الدَّمْـعَ مِنْ عَيْنيـهِ أَغْرَقَـنـي

فَقـــامَ مُحتَرِمـــاً بِالعَــزمِ مُشْتَمِـــلاً *** وَصَفَّفَ اللَّبِـنَ مِـنْ فَــوْقِي وفـارَقَـنِـي

وقَالَ هُلُّــوا عليه التُّـرْبَ واغْتَنِموا *** حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمـنِ ذِي المِنَــنِ

في ظُلْمَــةِ القبــرِ لا أُمٌّ هنــــاك ولا *** أَبٌ شَفـيـــــــقٌ ولا أَخٌ يُـــؤَنِّـسُــنــيْ

فَرِيــدٌ وَحِيــدُ القبـــرِ، يــــا أَسَفــــاً *** عَلى الفِـــراقِ بِــلا عَمَـــلٍ يُـــزَوِّدُني

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَـرَتْ *** مِنْ هَوْلِ مَطْلَـعِ ما قَــدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَــرٍ ونكيــرٍ مــا أَقـــولُ لهـم *** قَــدْ هــَالَني أَمْــرُهُمْ جِــداً فَأَفْــزَعَـني

وَأَقْعَــدوني وَجَــدُّوا فــي سُــؤالِهـِمُ *** مَـالِــي سِـــوَاكَ إِلـهـي مَــنْ يُخَلِّصُنِـي

فَامْنُـنْ عَلَيَّ بِعَفْــوٍ مِنـك يــا أَمَلــي *** فَإِنَّـنــي مُـوثَـــقٌ بِالــذَّنْــبِ مُــرْتَهـَـــنِ

تَقاسمَ الأهْـلُ مالي بعدما انْصَـرَفُـوا *** وَصَـارَ وِزْرِي عَلى ظَـهْـرِي فَأَثْقَلَني

واستَبْـدَلَـتْ زَوجَتي بَعْـلاً لهـا بَدَلـي *** وَحَكَّمَـتْــهُ فِــي الأَمْـــوَالِ والسَّــكَــنِ

وَصَيَّـــرَتْ وَلَــدي عَبْـــداً لِيَخْدُمَـهَــا *** وَصَــارَ مَــالي لهـم حــِلاً بِـلا ثَمَــنِ

فَــــلا تَـغُــرَّنَّــــكَ الدُّنْيـــا وَزِينَتُـهـا *** وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْـلِ والوَطَــنِ

وانْظُـرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها *** هَـلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْــطِ والكَفَــنِ

خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَــاك وارْضَ بِهــا *** لَـــوْ لـمْ يَكُــنْ لَكَ إِلا رَاحَــةُ البَـــدَنِ

يَـا زَارِعَ الخَيْـرِ تحصُـدْ بَعْـــدَهُ ثَمَــراً *** يَا زَارِعَ الشَّـرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يَا نَفْسُ كُفِّي عَـنِ العِصْيـانِ واكْتَسِبِي *** فِعْـــلاً جميـــلاً لَـعَــلَّ اللهَ يَـرحَـمُنـي

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَنــاً *** عَسى تُجـازَيْنَ بَعْـدَ المـوتِ بِالحَسَــنِ

ثمَّ الصّـــلاةُ على الْمُختــارِ سَيِّــدِنـــا *** مَا وَضَّـــأَ البَرْقُ في شَـامٍ وفي يَمَــنِ

والحَـمْــــدُ لله مُمْـسِينَــا وَمُصْبِحِـنَـــا *** بِالخَيْــرِ والعَـفْــوْ والإِحْسـانِ وَالمِنَــنِ

0 التعليقات:

إرسال تعليق

علّق هنا