الجمعة، 20 يوليو 2012

وجاء رمضان


       وَجَــاءَ رَمَضَــانُ



     الحمد لله الذي بلغنا رمضان، الحمد لله الذي بلغنا صيام أول يوم من رمضان، ونسأل الله أن يبلغنا تمامه وكماله، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا، اللهم اجعلنا ممن عتقت رقابهم من النار في أول ليلة من رمضان، وفي كل ليلة من رمضان، اللهم اجعلنا من السعداء المقبولين في رمضان، اللهم لا تجعلنا من الأشقياء المطرودين المحرومين في رمضان .

       جاء رمضان؛ وحق لمن أدرك رمضان أن يفرح ببلوغه رمضان، فإنها والله إنها لفرحة عظيمة، ومنة كريمة، أن يدرك الإنسان موسما يزداد فيه قربا من ربه جل في علاه، إنها رحمة وفضل من الله:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، نعمة عظيمة أن يدرك العبد هذا الموسم الكريم والشهر العظيم .

مرحبا أهلا وسهلا بالصـيـام  ****  يـــا حبيبـــا زارنـــا في كل عــــام
قــد لـقينــــاك بحــب مفعــــم  ****  كل حب في ما سوى المولى حرام
فاغفـــر اللـــهم منــــا ذنبنـــا  ****  ثــم زدنــا مــن عطـايــاك الجسـام

     جاء رمضان؛ وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين في أول ليلة من ليالي رمضان، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِيْنُ "، وفي رواية:" وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِيْنُ " .

    جاء رمضان؛ موسم من مواسم البر والخيرات، والطاعة والقربات، شهر المنح الربانية، والعطايا الإلهية، نفحات ورحمات، ومكرمات وبركات .

أتى رمضان مـزرعـة العباد  ****  وتطهير القلوب من الفساد
فـــــأد حقــوقـه قـولا وفعــلا  ****  وزادك فـاتخـــذه للمعــــاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها  ****  تــأوه نـادمـا يوم الحصـاد

     جاء رمضان؛ وفي أول ليلة من ليالي رمضان ينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، يا من تريد سعادة الدنيا والآخرة أقبل، يا من تطمح في رضوان الله أقبل، يا من ترجو ما عند الله أقبل، يا من تسعى إلى جنة عرضها السماوات والأرض أقبل، يا من تريد العتق من النيران أقبل .

     جاء رمضان شهر التوبة والإنابة، شهر الاعتراف بالذنب، والإقرار بالخطيئة، شهر إعلان العجز والتقصير للعلي القدير، شهر الذلة والانكسار بين يدي الواحد القهار، العزيز الغفار، فيا من قصرت في حق ربك أقبل، ويا من أعرض عن الله أقبل، ويا تاركا للصلاة أقبل، ويا عاقا لوالديه، ويا قاطعا لأرحامه، يا من أذنب، ويا من أخطأ، أقبل على الله فيقبلك الله ويعتق رقبتك من النار فربك حيي ستير جواد كريم، يحب من عبده أن يتوب فيتوب عليه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا " فيا عبد الله لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرت الله غفر لك على ما كان منك ولا يبالي سبحانه جل في علاه .

     جاء رمضان شهر الثورة على النفس والهوى والشيطان، لتتحرر الروح من قيود الشهوات والذنوب، فتسمو إلى باريها، فالإنسان بروحه لا بجسمه، وعزه وشرفه وسعادته في تعلق روحه بالله، واتصالها وأنسها به لا بسواه .

يا خـادم الجسـم كم تشقى لخـدمتــه  ****  أتعبت نفسـك فيما فيه خسـران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها  ****  فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

      جاء رمضان شهر العبودية لله، وتحقيق التقوى والتي هي أعظم وأجل ثمرة للصيام:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقٌونَ}، والتقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، التقوى هي فعل المأمور على نور من الله ترجو ثواب الله، وترك المحذور على نور الله تخاف عقاب الله، التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما يحبه ويرضاه، والبعد عما يبغضه ويسخطه .

     جاء رمضان شهر الصبر؛ صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فهو شهر يربي النفس على الصبر بجميع أنواعه، ولذلك كان أجر الصائم مما لا يعلمه إلا الله، قال الله في الحديث القدسي:" إِلَّا الصَّومَ فَإِنَّهُ لِيْ وَأَنَا أَجْزِيْ بِهِ "، وقال سبحانه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .

    جاء رمضان شهر القرآن:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ}، فيا أهل القرآن ! ويا أمة القرآن ! أقبلوا على القرآن، فو الله وتالله وبالله إن في الإقبال عليه العز والشرف، والسمو والرفعة في الدنيا والآخرة .

    جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وجعلنا من عتقائه في شهر الصيام، ونسأله سبحانه أن يبلغنا تمام الشهر وكماله كما بلغنا أوله، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا؛ إنه سميع قريب مجيب .