الأحد، 16 أكتوبر 2011

الحمل الثقيل


الحِمْـلُ الثَّقِيْـلُ
     حِملٌ ثقيل وواجبٌ جليل، تكليف جسيم وأمر عظيم، عرض على الكون كل الكون؛ سمائه وأرضه وجباله، فوجلن من حمله، وأشفقن من تكلفه، وأبين أن يقمن به، خوفاً من عدم القيام بحقه، وسلامة من عذاب الله وسخطه، وحمل هذا الحِمل الكبير والأمر الخطير الإنسان جنس الإنسان:{ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَـانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}، إنها الأمانة عباد الله !! المنافقون والمنافقات قاموا بها ظاهرًا وتركوها باطناً، والمشركون والمشركات تركوها ظاهراً وباطناً، وهؤلاء هم الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم، والعقاب المقيم، وقدم المنافقون لأنهم أخطر فهم عدو خفي، وأما المؤمنون والمؤمنات فأولئك هم الذين قاموا بالأمانة ظاهراً وباطناً، وهم في أدائها والقيام بها بين ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات بإذن الله؛ لكنهم مع إنابتهم إلى ربهم وإقبالهم عليه يتوب عليهم ويغفر للمقصّر منهم وهذا من كمال رحمة الله ومغفرته، فسبحان من وسع كل شيء رحمةً وعلماً، ولذلك ختم الله الآية الكريم بالاسمين الكريمين العظيمين الجليلين، الغفور الرحيم، حتى أهل الشرك والنفاق إن تابوا وأنابوا رفع عنهم العذاب ولم ينزل بهم العقاب بل يبدل سيئاتهم حسنات، فسبحان الله العظيم الكريم التواب الغفور الرحيم.
     أخي الكريم: من الناس من قصر فهمه عن معنى الأمانة فظن أنها محصورة في الودائع المالية والمادية فحسب، وهذا مفهوم قاصر ضَيَّقَ به واسعاً، بل الأمانة بمفهومها الشامل، وتعريفها الكامل الذي يوافق مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم أنها: التكاليف الشرعية جميعها، إنها الدين كله، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" لَا إِيْمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِيْنَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ "، إنها تتعلق بحقوق الله وحقوق العباد؛ ولا تقتصر على أحدهما دون الآخر، فمن أداها له الثواب، ومن ضيعها استحق العقاب .
     إنها الأمانة بالمفهوم الشامل الواسع الذي به تعم جميع وظائف الدين، فتأدية الواجبات أمانة، وترك المنهيات أمانة، الفرائض أمانة، وحدود الله أمانة، والعلم أمانة، والدعوة أمانة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمانة، والإمارة والحكم أمانة، والوظائف والحصول عليها بعد طلبها أمانة، والودائع المالية والمادية أمانة، وحماية الدين والدفاع عن حياضه أمانة، ورعاية حقوق الشعوب أمانة، والدماء والأموال والأعراض أمانة، وصيانة الوطن المسلم والدفاع عنه وحماية ممتلكات المجتمع كل ذلك أمانة .
     لقد حذر الله من الخيانة في الأمانة وتوعد وهدد بأبلغ لفظ وأوجز كلام:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
     أخي في الله: إنك إذا تأملت كلمة الأمانة ستجد فيها معنى عظيماً، ستجد فيها معنى الأمان والاطمئنان، فكأن الأمن والسكينة، والراحة والطمأنينة، والاستقرار والسلامة؛ كل ذلك منوط ومرهون بتحقيق الأمانة بمفهومها الشامل الواسع .
     إننا نعيش زمان ضياع الأمانة، وضياعها بأن يوسد الأمر إلى غير أهله كما قال صلى الله عليه وسلم . 
     جعلنا الله من أهل الأمانة، وممن حفظ الأمانة وأدى حقها فيها، وجعلنا سبحانه من أهل الأمن والأمان والإسلام والإيمان في الدنيا والآخرة إنه سميع قريب وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .