الدرس الثاني والعشرون
مسائل وأحكام
المسألة الحادية والخمسون : غبار الطريق : إذا وصل غبار الطريق إلى جوف الصائم فإنه لا يفسد بذلك
صيامه إلا إذا قصد وتعمد إدخاله حلقه فسد صومه، ومثله نخالة الدقيق، وذبابة طائرة
ونحو ذلك مما يشق الاحتراز عنه؛ قال النووي رحمه الله في المجموع: اتفق أصحابنا
على انه لو طارت ذبابة فدخلت جوفه أو وصل إليه غبار الطريق أو غربلة الدقيق بغير
تعمد لم يفطر . وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وما لا يمكن التحرز منه
كابتلاع الريق لا يفطره لأن اتقاء ذلك يشق فأشبه غبار الطريق وغربلة الدقيق .
انتهى .
المسألة الثانية والخمسون : سيلان الفم دما أو قيحا : إذا خرج من داخل الفم دم أو قيح فإنه يحرم بلعه
لنجاسته؛ وبلعه في نهار رمضان اختيارا أو مع عدم مشقة الاحتراز منه مفسد للصوم،
موجب للقضاء وهو مذهب الجمهور واختيار ابن عثيمين وعليه فتوى اللجنة الدائمة، وأما
إذا دخل إلى الجوف بغير قصد، أو مع مشقة الاحتراز منه فلا شيء فيه كالقيء الذي
يغلب صاحبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ
ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ, وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ
اَلْقَضَاءُ "
.
المسألة الثالثة والخمسون : خروج القلس أو سوائل المعدة (الحموضة) : القلس
هو ما خرج من البطن من طعام أو شراب إلى الفم بعد استقراره فيها؛ سواء كان ملء
الفم أو دونه؛ إذا خرج إلى الفم ثم رده الصائم وابتلعه مع إمكانه لفظه وإخراجه فسد
صومه وعليه القضاء وهو مذهب الجمهور؛ وأما إذا رده إلى جوفه مع عدم تمكنه من
إخراجه فلا شيء عليه؛ والسوائل المرتجعة من المعدة (الحموضة) حكمها حكم القلس
فالفطر بها متعلق بوصولها إلى الفم ثم ردها بعد ذلك إلى الجوف وبلعها، وأما إذا لم
تصل إلى الفم مع عدم التمكن من لفظها وإخراجها فلا يفسد بها الصوم، قال ابن قدامة
رحمه الله في المغني: فإن سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده (أي ابتلعه)
أفطر وإن كان يسيرا، لأن الفم في حكم الظاهر، والأصل حصول الفطر بكل واصل منه؛ لكن
عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فما عداه يبقى على الأصل . انتهى .
المسألة الرابعة والخمسون : الجماع في نهار رمضان : من جامع متعمدا في نهار رمضان فسد صومه إجماعا؛ وعليه
القضاء والكفارة؛ وهو قول جماهير أهل العلم سلفا وخلفا، والمرأة الموطوءة في نهار
رمضان يلزمها القضاء والكفارة كذلك وهو قول جمهور أهل العلم خلافا للمعتمد عند
الشافعية، فيجب عليها القضاء لأنه فاتها الصوم بلا عذر، ووجوب الكفارة عليها قياسا
على الرجل فقد هتكت حرمة رمضان بالجماع؛ فتجب عليها كفارة وعلى الرجل كفارة أخرى
لعدم المشاركة في الكفارات .
المسألة الخامسة والخمسون : كفارة الجماع في نهار رمضان
: تجب على من
حصل منه الجماع متعمدا مختارا ذاكرا في نهار رمضان كفارة مغلظة وهي : عتق رقبة، فإن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وهي على الترتيب
المذكور عند جمهور أهل العلم؛ لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ: وَقَعْتُ
عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟
قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا ؟ قَالَ: لاَ - قَالَ - ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا
. قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا ! فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ
إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ .